يُعد الاقتصاد الأمريكي واحدًا من أكبر الاقتصادات في العالم، وبالتالي يمثل موضوعًا مثيرًا للاهتمام فيما يتعلق بتأثير العملات المشفرة عليه. ومنذ ظهورها في عام 2009، شهدت هذه الأسواق نموًا هائلاً، وتم تداول قيمة تتجاوز 2.5 تريليون دولار في عام 2021.، إلا أن هذه القيمة انخفضت هذا العام بعد سلسلة من الخسائر لتصل في عام 2023 بحسب مجلة “إيكونوميست”؛ إلى 1.3 تريليون دولار حاليا.
فرص وتحديات
إن وجود هذه العملات يعرض الاقتصاد الأمريكي لفرص وتحديات عديدة، حيث يمكن أن تساهم في تمويل الشركات الناشئة وتوفير الوظائف الجديدة، بينما يمكن أن تؤدي إلى زيادة الاستقرار المالي وتهديد السياسة النقدية التقليدية. وبالتالي، فإن هذا الموضوع يشغل حاليًا اهتمام الجهات التنظيمية والشركات المالية في الولايات المتحدة.
في عام 2020، أظهرت دراسة أجرتها شركة “Chainalysis” أن تداول هذه العملات في الولايات المتحدة قد وصل إلى 10.4 مليار دولار، مما يمثل زيادة بنسبة 57٪ عن العام السابق. وتشير الأرقام الحالية إلى أن الولايات المتحدة تمثل أكبر سوق للعملات المشفرة في العالم، حيث تم تداول قيمة تتجاوز 1.3 تريليون دولار في العام الماضي.
مخاوف التنظيم
مع ذلك، فإن هذا النمو يثير مخاوف التنظيم، حيث أن العملات المشفرة تعد منتجات مالية غير منظمة وغير مراقبة بشكل وافٍ. وقد دفع هذا الأمر السلطات التنظيمية في الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات لتنظيم هذه الأسواق وضمان سلامتها.
في عام 2021، وافقت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية على طلب شركة “Coinbase” للاكتتاب العام، مما يجعلها أول شركة تداول عملات مشفرة تدرج في البورصة الأمريكية. كما تم إدراج صناديق الاستثمار المتداولة في الأسهم المشتقة من هذه العملات في البورصة الأمريكية، مما يشير إلى أن هذه الأسواق تحظى بالمزيد من الاهتمام والثقة من المستثمرين والجهات التنظيمية.
ومع ذلك، فإن هناك مخاوف تنظيمية مستمرة، حيث تحاول الجهات التنظيمية في الولايات المتحدة تحديد المعايير اللازمة للتداول المنظم للعملات المشفرة. وفي سبتمبر 2020، أصدرت ولاية نيويورك وثيقة تحدد المتطلبات اللازمة لتداول العملات المشفرة في الولاية، مما يشمل ترخيص المشغلين والتزامات الإفصاح والحفاظ على السجلات.
ومن المهم التأكيد على أن التنظيم المناسب لها سيساعد في تحسين ثقة المستثمرين وتوفير بيئة استثمارية آمنة ومستدامة. ويمكن أن يكون للعملات المشفرة دور مهم في تعزيز الاقتصاد الأمريكي، حيث يمكن أن تساعد في تمويل الشركات الناشئة وتوفير الوظائف الجديدة، وتعزيز الابتكار والتنمية الاقتصادية بشكل عام.
لذا يجب على الجهات التنظيمية والشركات المالية العمل سويًا لتحديد المعايير اللازمة لتداول العملات المشفرة بشكل آمن ومستدام، وضمان سلامةهذه الأسواق. ومن خلال العمل معًا، يمكن للعملات المشفرة أن تكون عنصرًا مهمًا في الاقتصاد الأمريكي وتساهم في تعزيز الابتكار والنمو الاقتصادي.
هل ستؤثر العملات المشفرة على السياسة النقدية التقليدية؟
نعم، يمكن أن تؤثر العملات المشفرة على السياسة النقدية التقليدية بشكل ملحوظ. فعلى سبيل المثال، فإن العملات المشفرة تتمتع بالعديد من المميزات التي تجعلها مختلفة عن الأصول التقليدية المستخدمة في السياسة النقدية، مثل العملات الورقية والمعدنية والتي يتم تداولها عبر البنوك المركزية.
ومن الممكن أن تتأثر السياسة النقدية التقليدية بسبب العملات المشفرة بالطريقة التالية:
1- تغيير الطلب على الأصول التقليدية: يمكن أن تؤدي هذه العملات إلى تغيير الطلب على الأصول التقليدية مثل العملات الورقية والمعدنية، وبالتالي الضغط على البنوك المركزية لتغيير سياساتها النقدية للتكيف مع الوضع الجديد.
2- تأثير التضخم: تتميز هذه العملات بالحد الصارم على الكمية المتاحة، وهذا يجعلها أقل عرضة للتضخم من العملات التقليدية التي يمكن طباعتها بمرونة. وبالتالي، فإن انتشار العملات المشفرة قد يقلل من تأثير السياسة النقدية التقليدية في الحد من التضخم.
3- تحول الاستثمارات: يمكن أن تؤثر العملات المشفرة على تحويل الاستثمارات من الأصول التقليدية إلى العملات المشفرة، وهذا يمكن أن يؤثر على الاقتصاد بشكل عام. فعلى سبيل المثال، إذا قررت الشركات الاستثمار في العملات المشفرة بدلاً من الأصول التقليدية، فقد يؤدي ذلك إلى تقليل الطلب على الأصول التقليدية وتأثيرها على الاقتصاد.
ومن المهم الإشارة إلى أن العملات المشفرة لا تزال في مراحلها المبكرة، وبالتالي لا يزال من الصعب تحديد الأثر الكامل الذي ستحدثه على السياسة النقدية التقليدية. ومع ذلك، فإن من المؤكد أنها ستستمر في التطور والنمو، وبالتالي فإنه منالمهمية بمكان أن تتم دراسة تأثيرها على الاقتصادات والسياسات النقدية. ويمكن أن تساهم الدراسات العلمية والبحوث المتعلقة بهذا الموضوع في فهم أفضل للعلاقة بين العملات المشفرة والسياسة النقدية التقليدية، ومن ثم اتخاذ الإجراءات اللازمة لتنظيم هذه الأسواق بشكل مناسب.
قد تطالع أيضًا: هل يفقد الدولار هيمنته العالمية؟