لندن – 25 أبريل 2025
في خطوة تحمل انعكاسات اقتصادية وسياسية مهمة، أعلنت الحكومة البريطانية رفع مجموعة من العقوبات المفروضة على الجمهورية العربية السورية، في قرار وُصف بأنه تحول استراتيجي في سياسة لندن تجاه دمشق بعد أكثر من عقد من القيود الاقتصادية والمالية.
ويأتي القرار بعد مراجعات موسعة أجرتها وزارة الخارجية البريطانية بالتعاون مع مجلس الأمن القومي، وسط مؤشرات على إعادة تقييم العلاقات مع دول المنطقة بما يتوافق مع المتغيرات الجيوسياسية والاقتصادية التي يشهدها الشرق الأوسط.
تفاصيل القرار
يشمل القرار رفع تجميد الأصول عن عدد من المؤسسات المصرفية السورية، والسماح باستئناف بعض الأنشطة التجارية في مجالات الصحة والطاقة وإعادة تأهيل البنية التحتية. كما يتضمن منح تراخيص لتصدير معدات طبية وأجهزة الطاقة المتجددة، في خطوة تهدف إلى دعم جهود إعادة الإعمار وتحسين الظروف الإنسانية.
وأكد البيان الرسمي الصادر عن الحكومة أن رفع العقوبات لا يمثل تطبيعًا شاملاً، بل يأتي استجابة للمتغيرات على الأرض والحاجة إلى تخفيف المعاناة الإنسانية، مع الحفاظ على التزامات المملكة المتحدة تجاه حقوق الإنسان والعملية السياسية.
الأبعاد الاقتصادية
من المتوقع أن يسهم رفع العقوبات في تحريك عجلة الاقتصاد السوري المتأثر بالعقوبات الدولية، خاصة في قطاعات المصارف، الصحة، والطاقة المتجددة. وقد يفتح القرار الباب أمام تحركات مشابهة من دول أوروبية أخرى، مما يعزز فرص تدفق الاستثمارات والمساعدات الموجهة إلى مشاريع إعادة الإعمار.
ويرى مراقبون اقتصاديون أن سوق إعادة الإعمار في سوريا، الذي يقدر حجمه بمليارات الدولارات، يمثل فرصة جذابة للعديد من الشركات الغربية الباحثة عن دخول أسواق جديدة في مرحلة ما بعد النزاع. ويُتوقع أن تشهد بعض الشركات البريطانية خطوات أولية لاستكشاف هذه الفرص.
أسباب القرار وتوقيته
تزامن القرار البريطاني مع تحولات متسارعة في المنطقة، شملت عودة سوريا إلى مقعدها في الجامعة العربية، وتكثيف الجهود العربية لإعادة دمجها في النظام الإقليمي. كما تلعب الاعتبارات الاقتصادية الأوروبية دورًا مهمًا، في ظل الحاجة إلى تنويع الشراكات الاقتصادية ومصادر الطاقة.
وقد أشار عدد من المحللين إلى أن العقوبات الاقتصادية على مدى السنوات الماضية لم تحقق نتائج سياسية ملموسة، بينما ساهمت في تفاقم الأزمة الإنسانية والركود الاقتصادي. ومن هنا، بدأت بعض الدول في البحث عن مقاربات أكثر واقعية تستند إلى تخفيف القيود مقابل تقدم على الصعيد الإنساني أو التنموي.
ردود الفعل الدولية والإقليمية
لقي القرار ترحيبًا من بعض الدول الحليفة لدمشق، مثل روسيا وإيران، اللتين اعتبرتاه إشارة على تغير المزاج الدولي تجاه سوريا. وفي المقابل، عبّرت الولايات المتحدة عن “قلقها”، مؤكدة استمرار التزامها بعقوباتها الخاصة المفروضة على النظام السوري.
على الصعيد الإقليمي، تباينت المواقف بين مؤيد ومتحفظ. فقد دعمت دول مثل الإمارات والأردن القرار، بوصفه ينسجم مع جهودها لإعادة دمج سوريا في محيطها العربي، بينما أبدت دول أخرى حذرًا بشأن تداعيات الخطوة على مسار العملية السياسية.
المعارضة السورية بين الانتقاد والترقب
من جهة المعارضة السورية، صدرت مواقف متباينة؛ فقد اعتبر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية أن القرار “يقلل من الضغط السياسي على النظام” ودعا إلى ربط أي انفتاح اقتصادي بمسار سياسي واضح المعالم.
في المقابل، رأت بعض التيارات داخل المعارضة أن القرار البريطاني قد يشكل حافزًا دوليًا لإحياء العملية السياسية، خصوصًا إذا ما تم ربط التسهيلات الاقتصادية بضمانات أممية بشأن حقوق الإنسان والمصالحة الوطنية.
انعكاسات محتملة على السوق السورية
من الناحية الاقتصادية، قد يشكل القرار فرصة لتنشيط القطاع المصرفي المتعثر، وتحسين تدفق رؤوس الأموال من الخارج، إلى جانب إمكانية توفير أدوات دعم فني وتقني في مجالات البنية التحتية والطاقة والقطاعات الخدمية.
ويُتوقع أن تبدأ شركات سورية محلية بالتواصل مع نظيراتها الأوروبية لإعادة بناء قنوات تجارية تم تجميدها منذ سنوات، في حين تأمل قطاعات حيوية مثل الصناعة الدوائية والخدمات الطبية في تحسن تدريجي في الإمدادات والتجهيزات.
ويعكس قرار بريطانيا برفع العقوبات عن سوريا عن إعادة تموضع استراتيجي لسياسات العقوبات الغربية، ويفتح الباب أمام مرحلة جديدة من التعامل مع الواقع السوري، لا سيما على المستويين الاقتصادي والتنموي. ومع بقاء العديد من القيود الأخرى سارية، تظل قدرة القرار على إحداث تغيير فعلي مرهونة بتفاعل الأطراف الدولية والإقليمية .