في تحوّل مفاجئ يسلّط الضوء على تباين السياسات الغربية تجاه الحرب في أوكرانيا، رفض الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب فرض عقوبات جديدة على روسيا، رغم التصعيد الأخير في الهجمات الروسية على الأراضي الأوكرانية. الموقف جاء عقب مكالمة هاتفية وصفها مقربون بأنها “مطولة” مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، أكد خلالها ترامب “عدم جدوى التصعيد العقابي”، في وقت تتحرك فيه أوروبا في الاتجاه المعاكس تمامًا.
أوروبا تشدد… وواشنطن تتريث
في الوقت الذي أعلن فيه كل من الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة عن حزمة عقوبات إضافية طالت قطاعات حيوية في الاقتصاد الروسي، وعلى رأسها الأسطول البحري وشركات تصنيع الأسلحة المتقدمة، بدا موقف ترامب غير منسجم مع خط الحلفاء التقليدي. واعتبر مسؤول أوروبي رفيع أن “الغياب الأمريكي عن التصعيد يبعث برسائل خاطئة للكرملين، ويقوض وحدة الغرب”.
رغم تهديدات سابقة بـ”عقوبات قاسية”، لم يُقدم ترامب على تنفيذ أي إجراءات جديدة، مما طرح تساؤلات حول مدى التزامه الفعلي بالضغط على روسيا، خاصة في ظل تصاعد الضغوط الدولية على موسكو لوقف عملياتها العسكرية.
قراءة في الدوافع: المصالح قبل المبادئ؟
بحسب مصادر اقتصادية مطلعة، فإن تردد ترامب في فرض عقوبات إضافية يرتبط بمخاوف من تأثير تلك العقوبات على مصالح تجارية أمريكية محتملة مع روسيا، لا سيما في قطاعات مثل الطاقة، المعادن النادرة، والتكنولوجيا المتقدمة، حيث ترى دوائر مقربة من ترامب فرصًا لتعزيز النفوذ الاقتصادي الأمريكي في مرحلة ما بعد الحرب.
“ترامب لا يريد إغلاق الباب بالكامل أمام روسيا”، يقول أحد المستشارين الاقتصاديين السابقين في حملته، مضيفًا أن “الرؤية تقوم على إبقاء قنوات مفتوحة للاستثمار المستقبلي، لا الدخول في حرب اقتصادية طويلة الأمد قد تعود بنتائج عكسية”.
تأثيرات استراتيجية: تصدع غربي يلوح في الأفق
هذا التباين في المواقف يكشف تصدعًا في التحالف الغربي حول كيفية إدارة الأزمة الأوكرانية، ويطرح أسئلة جوهرية حول مستقبل التنسيق بين واشنطن وحلفائها الأوروبيين. في حين تنظر العواصم الأوروبية إلى العقوبات على أنها أداة استراتيجية ضرورية لردع موسكو، يبدو أن ترامب يراهن على نهج تفاوضي مرن يترك مساحة للحوار السياسي مستقبلاً، حتى لو جاء ذلك على حساب الإجماع الغربي.
في الأوساط السياسية الأمريكية، يرى بعض المراقبين أن هذا الموقف يندرج ضمن توجه ترامب المعروف بالانعزالية ورفضه المستمر لفكرة “القيادة الأمريكية الدولية بالمجان”، بينما يعتبره آخرون تمهيدًا لاتفاق محتمل مع موسكو ضمن “صفقة كبرى” لم تتضح ملامحها بعد.
خلاصة: رهان محفوف بالمخاطر
في الوقت الذي تستمر فيه المعارك على الأرض الأوكرانية، وتشهد الأسواق العالمية تقلبات بسبب عدم وضوح مسار الحرب، يضع موقف ترامب الجديد علامات استفهام حول وحدة الموقف الغربي وجدوى العقوبات طويلة الأمد في غياب إجماع دولي فعلي.
يبقى أن نرى ما إذا كان هذا النهج سيؤدي إلى انفراجة دبلوماسية، أم أنه سيُفسَّر في موسكو على أنه ضوء أخضر لمزيد من التصعيد.