تحسنت الأوضاع المالية والآفاق الاقتصادية في الدول المنتجة للنفط والغاز بصورة كبيرة منذ عام 2021، ويعود الفضل في ذلك، بشكل أساسي، لارتفاع أسعار الطاقة. يتوقع صندوق النقد الدولي أن تحقق البلدان المصدرة للنفط في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى إيرادات بقيمة 818 مليار دولار على مدار العام، وهو ما يعكس تعديلًا على الزيادة بمقدار 320 مليار دولار عن التقديرات السابقة في أكتوبر/تشرين الأول 2021. ومن المتوقع لصادرات النفط الخام التراكمية لبلدان مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تتجاوز 500 مليار دولار هذا العام، وفقًا لبلومبرج.
منذ أكثر من عقد من الزمن واقتصادات دول الخليج العربية متأهبة للنمو بأسرع ما يمكن. في الربع الأول من هذا العام، تزايد الاقتصاد السعودي بنسبة 9.6%، مسجلاً بذلك أسرع وتيرة لنموٍ ربع سنوي منذ عام 2011، وسجلت المملكة فائضًا في الميزانية بمقدار 15.3 مليار دولار. حتى دول المنطقة ذات المقومات الاقتصادية الأضعف، مثل سلطنة عُمان، تتمتع بوضع قوي نسبيًا لدعم مواردها المالية. حيث يعتزم السلطان هيثم بن طارق آل سعيد، سلطان عمان، تسديد ديون الحكومة من خلال الفائض المتوقع من الميزانية.
إدارة المكاسب غير المتوقعة
عمل هذا التطور السريع في الظروف الاقتصادية على تجدد المخاوف بشأن كيفية استغلال حكومات المنطقة للمكاسب المالية الجديدة وغير المتوقعة. حثّ جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، هذه الدول على “توخي الحيطة والحذر في طريقة تنفيذ سياساتها”. تثير هذه اللحظة الحرجة في التاريخ الاقتصادي الحديث لدول المنطقة سؤالاً تقليديًا: هل المكاسب المالية غير المتوقعة الناتجة عن فترات تقلب أسعار الطاقة تشكل في النهاية تطورًا إيجابيًا لجهود التنويع الاقتصادي على المدى الطويل؟ الإجابة المختصرة هي نعم وبكل جدارة.
إن هذا التدفق في عائدات النفط والغاز – والأهم منه الأرباح المرتبطة به – يوفر للمسؤولين في المنطقة المقومات المالية اللازمة للمضي قدمًا في مساراتهم المفضلة نحو التنويع الاقتصادي. يشكل الدعم الكبير والمستدام من الحكومات والهيئات المرتبطة بها الأساس للتحولات الاقتصادية الطموحة والمشاريع التي يجري تنفيذها في أكبر الاقتصادات في المنطقة. ربما تؤدي المكاسب المالية غير المتوقعة من عائدات النفط والغاز إلى تعزيز خطط التنويع الاقتصادي المكلفة، التي أعلن عنها المسؤولين في المنطقة – خاصة في السعودية ودولة الإمارات وقطر – ولكن هذا الأمر غير مضمون. وفرة الموارد المالية وحدها لا تضمن النجاح على المدى الطويل في المجال غير النفطي.
على المدى القصير، توفر الموارد المالية الجديدة، التي امتلأت بها خزائن الدول، نظرة ثاقبة لأولويات السياسة الاقتصادية في المنطقة. وثمة ثلاث دول فقط من بين دول الخليج العربية تتمتع بوضع قوي يمكنها من المضي بقوة في مبادرات التنويع الاقتصادي المستقبلية واسعة النطاق: السعودية ودولة الإمارات وقطر. وفي حين تُظهر هذه البلدان الكثير من التباينات المؤسساتية، إلا أنها تجتمع فيها الإرادة السياسية من أعلى هرم السلطة إلى القاعدة من أجل التحول الاقتصادي باستخدام الموارد المالية المتاحة. ولكي تمضي قدمًا، يتوجب على عُمان والبحرين العمل على تعزيز مواردهما المالية والحد من نقاط الضعف الاقتصادية، مع إعادة التنويع الاقتصادي على المدى الطويل إلى المستوى الثاني من الأولويات. وتعمل أسعار الطاقة المرتفعة على تمكين الكويت من تأخير الإصلاحات الاقتصادية ومبادرات التنويع أكثر فأكثر، حيث كانت قد توقفت، إلى حد كبير، بسبب العديد من القيود السياسية على صنع القرار.
قليل من المقترحات المتواضعة
لم يتم تمهيد الطريق المفضل لمستقبل اقتصادي مستدام ومتنوع في الخليج بمقترحات متواضعة. فعلى سبيل المثال، تسعى السعودية لوضع تصور جديد للمدن والحركة السياحية المترفة والطيران. وتعد التطورات المتعلقة بافتتاح مؤتمر مستقبل الطيران في الرياض في الفترة ما بين 9 إلى 11 مايو/أيار مثالاً واضحًا على أهداف المملكة الطموحة لقطاع الطيران. يأمل المسؤولون السعوديون في جعل السعودية مركزًا رائدًا للطيران في الشرق الأوسط بحلول عام 2030- وهو هدف طموح يتم تمويله بمبلغ يقدر بـ 100 مليار دولار كدعم من القطاعين العام والخاص، وشركة نقل وطنية جديدة وبنية تحتية محسّنة. تسعى ورقة سياسات عامة على الموقع الإلكتروني للمؤتمر جاهدةً لوضع إطار للمتطلبات الصحية بحيث يكون متناسقًا ومعترفًا به عالميًا لمسافري الرحلات الجوية العالمية وتجاربهم. كما تعمل السعودية على إعادة إطلاق خططها لخصخصة المطارات، وتم إعادة تنظيم 29 مطارًا تحت مظلة هيئة تجارية جديدة، تسمى مطارات.
يبدو أن بعض المجالات غير النفطية للاقتصاد واعدة أكثر من غيرها. فالعدد الكبير لسكان السعودية المحليين – البالغ عددهم حوالي 35 مليون نسمة في منتصف عام 2020 وفقًا للهيئة العامة للإحصاء– إلى جانب قطاع السياحة الدينية الراسخ في البلاد يعطيان بعض المصداقية لاستراتيجيات الطيران والسياحة. كما يتمتع قطاع الترفيه في السعودية بالكثير من إمكانات التطور. ومع ذلك، فقد كانت نتائج الجهود السعودية في بناء مدن صناعية واقتصادية متفاوتة. إن ما تشترك فيه العديد من مشاريع التنمية القائمة وحديثة المنشأ هو أن الحكومة السعودية والهيئات المرتبطة بها ستكون، إلى حد كبير، هي الممول الأول والأخير.
ليس لدى الدول الأصغر والإمارات في المنطقة مخاوف من أن تتحمل فوق طاقتها في الساحة الاقتصادية. أطلق المسؤولون الإماراتيون خارطة طريق “مشاريع الخمسين” من أجل “تسريع التنمية في دولة الإمارات، وتحويلها إلى مركز شامل في جميع القطاعات، وترسيخ مكانتها كوجهة مثالية للمواهب والمستثمرين”، لا سيما أولئك المنخرطين في ريادة الأعمال والاقتصاد الرقمي والفضاء والتقنيات المتقدمة. في عام 2017، أطلق حاكم دبي مبادرة دبي 10X لإحداث “تغيير هائل ومتسارع في الهيئات الحكومية، لجعل دبي تتقدم 10 سنوات على المدن العالمية الرائدة”.
عملت دول الخليج الصغيرة على إقامة فاعليات عالمية كبرى، الأمر الذي أوجد فرصًا استثنائية للتسويق مع طرح تحديات ما بعد الأحداث. استضافت دبي معرض إكسبو 2020 الدولي، وتتأهب دولة قطر لاستضافة مباريات كأس العالم التي يقيمها الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، والتي ستبدأ في نوفمبر/تشرين الثاني. يجب إعادة توظيف البنية التحتية المصاحبة بشكل فعال – خاصة في قطر. بالنسبة لحكومة قطر الغنية بالغاز، فإن تمويل هذه التحولات في البنية التحتية لن يشكل تحديًا. ويهدف المسؤولون في الدوحة لتحويل البنية التحتية الخاصة بكأس العالم، مثل الملاعب، إلى مرافق مجتمعية جديدة ومدارس ومستشفيات، بالإضافة إلى نقاط انطلاق لتدفقات السياحة الوافدة.
موازنة التوقعات الدولية والمحلية
يتطلب توسيع الصناعات غير النفطية ودعم القطاعات غير النفطية الجديدة في اقتصادات الدول الخليجية استمرار تدفق الخبرات الأجنبية والمقيمين الوافدين والزوار الدوليين. ليس من المستغرب إذًا أن نجد العديد من كبار أعضاء فريق الإدارة في مشروع نيوم من غير السعوديين. أشار أحد مسؤولي مشروع نيوم إلى أن مليوني “نيومي” [نسبة إلى نيوم] سوف يقطنون المدينة بحلول عام 2030، في إشارة إلى أن عدد سكان المدينة سوف يتجاوز في نهاية المطاف عدد سكان دولة البحرين المجاورة. دحضت وكالة الأنباء السعودية في وقت لاحق اللقب الذي أدلى به رئيس قسم السياحة في نيوم، لكنها أكدت أن نيوم تعد أحد “المشاريع الاستراتيجية الكبرى” لصندوق الاستثمارات العامة.
يعد الوافدون أكثر أهمية للنمو غير النفطي في دولة الإمارات وقطر، حيث يشكل المواطنين نسبة صغيرة من السكان. وأعلن مجلس الوزراء الإماراتي عن إصلاحات أساسية شاملة على نظام الإقامة المتعلق بالتأشيرات، والتي ستدخل حيز التنفيذ في سبتمبر/أيلول، الأمر الذي سيجعل زيارة البلاد والإقامة فيها أسهل من ذي قبل. جاء هذا الإعلان بعد سنوات من المخططات الجديدة للتأشيرات، وغيرها من المبادرات الأخرى الهادفة لجذب المواهب العالمية. في نهاية المطاف، فإن الزوار والمقيمين والمستثمرين الأجانب سوف يستأثرون بجزء من النفقات الحكومية المخصصة لجهود التنويع الاقتصادي. ومع ذلك، فإن الهدف هو إعادة تدوير جزء كبير من النفقات الحكومية مع رأس المال الأجنبي داخل الاقتصاد الأوسع، بحيث يستقر في النهاية لدى الشركات المحلية والمواطنين.
تم، في السنوات الأخيرة، الطلب من المواطنين والمقيمين الدائمين أن يتحملوا المزيد من الضرائب والرسوم للمساعدة في زيادة تدفق الإيرادات غير النفطية، معتمدين على الإجراءات التي وضعت في الأصل خلال انخفاض أسعار النفط ما بين عامي 2014 و2016. فعلى سبيل المثال، عملت السعودية على رفع ضريبة القيمة المضافة من 5% إلى 15%، وقامت بتعليق مخصصات غلاء المعيشة في عام 2020. ومع ذلك، فإن الفائض الحكومي المتوقع يوفر وسيلة للإنفاق الاجتماعي-الاقتصادي. في مايو/أيار، أعلنت الحكومة الاتحادية في الإمارات عن خطط لتوفير تأمين ضد البطالة لجميع العمال في الدولة. كما صادق مجلس الوزراء الإماراتي على سياسة للإسكان بقيمة 3.13 مليار دولار للإماراتيين، وعلى نظام جديد لإنفاذ خطة الحكومة للوصول إلى هدف تشغيل 10% من المواطنين الإماراتيين في القطاع الخاص بحلول عام 2026. لا تريد حكومات المنطقة أن تعمل التحولات الاقتصادية على عرقلة الازدهار الاقتصادي لمواطنيها – لا سيما خلال أوقات الانتعاش الاقتصادي لأسواق الطاقة المزدهرة.
الصبر المستطاع
إن تطوير الصناعات غير النفطية في المنطقة يتطلب صبرًا تستطيع حكومات المنطقة تحمله بسهولة أكبر خلال الفترات التي ترتفع فيها أسعار الطاقة. يكشف تحليل مستوى النمو السعودي، البالغ 9.6% في الربع الأول من هذا العام، عن تنامي الأنشطة المرتبطة بالنفط بنسبة 20.4%، وتنامي الأنشطة غير النفطية بنسبة 3.7% فقط. لا يمكن لمعدلات النمو في الاقتصاد غير النفطي أن تضاهي المعدلات المماثلة في سوق الطاقة القوي. ومع ذلك، فإن الصناعات غير النفطية غالبًا ما تتعرض للقليل من التقلبات لتتمتع في نهاية المطاف بمستقبلٍ أكثر استدامة. يتمثل التحدي الذي يواجه الحكومات في المنطقة في إيجاد طرق لزيادة معدلات التنمية المستدامة في القطاعات غير النفطية في أوقات النمو السريع في القطاعات الاقتصادية المرتبطة بالنفط.
إلى الحد الذي يمثل تدفق الموارد المالية من صادرات الطاقة مشكلة، فإنه أمر جيد لدى حكومات الخليج. تتمثل إحدى المخاطر الرئيسية في أن المسؤولين في المنطقة يلجأون للتركيز بشكل أكبر على تقديم معادلة التنويع الاقتصادي (مثل توفير السلع والخدمات وكمياتها والبنية التحتية) في حين يتجاهلون الاعتبارات المتعلقة بالطلب في عالم سريع التغير. قد تتمتع تلك الدول الخليجية، التي أُجبرت على تصميم مشاريع ومبادرات التنويع الاقتصادي دون دعمٍ ماليٍ حكومي سخي وطويل الأجل، بالمزيد من المرونة والاستدامة حتى وإن كان ذلك مع مجموعة محدودة ومتواضعة من المشاريع والمبادرات.