في خضم التحولات الكبرى التي يشهدها العالم بعد الحرب الروسية-الأوكرانية، برز النفط الروسي كأحد أكثر الملفات تأثيراً على مسار العلاقات الدولية. بالنسبة للهند، لم يعد النفط الروسي مجرد مصدر للطاقة بل أصبح أداة استراتيجية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي، وفي الوقت نفسه ورقة سياسية تعيد تموضع نيودلهي على خارطة التحالفات العالمية.
نفط مخفض… ونفوذ متزايد
قبل عام 2022 لم تكن روسيا تمثل سوى جزء ضئيل من واردات النفط الهندية، لكن العقوبات الغربية قلبت المعادلة رأساً على عقب:
ارتفعت الواردات بأكثر من 1900% لتصل إلى نحو 2 مليون برميل يومياً.
حصلت الهند على خصومات وصلت إلى 20% من سعر السوق، مما وفر مليارات الدولارات سنوياً على ميزانية الاستيراد.
النمو السريع في طاقات التكرير سمح لنيودلهي بإعادة تصدير المشتقات النفطية لأوروبا، محققة أرباحاً مضاعفة.
هذه المكاسب جعلت النفط الروسي عنصراً محورياً في خطط النمو الاقتصادي الهندي، وسلاحاً تفاوضياً في علاقاتها مع القوى الكبرى.
واشنطن تضغط والهند تناور
الولايات المتحدة تنظر إلى استمرار تدفق النفط الروسي إلى الهند باعتباره ثغرة كبيرة في نظام العقوبات المفروض على موسكو. إدارة الرئيس دونالد ترمب صعّدت موقفها بفرض رسوم جمركية على الصادرات الهندية بنسبة 25% مع تهديدات برفعها إلى 50% إذا لم تقلّص نيودلهي وارداتها من موسكو.
لكن رد الهند كان مختلفاً:
مناورة دبلوماسية عبر تعزيز العلاقات مع الصين وروسيا في إطار منظمة شنغهاي للتعاون.
توسيع شراكات الطاقة مع الشرق الأوسط لتخفيف الضغط الأمريكي وإظهار استقلالية القرار.
تصريحات رسمية حاسمة تؤكد أن تأمين الطاقة لـ 1.4 مليار مواطن لا يقبل الإملاءات السياسية.
تقارب استراتيجي مع الصين
الضغوط الأمريكية دفعت نيودلهي إلى إعادة فتح قنوات الحوار مع بكين. فبعد سنوات من التوتر الحدودي، التقى رئيس الوزراء ناريندرا مودي بالرئيس شي جين بينغ لمناقشة مشاريع البنية التحتية والطاقة، إضافة إلى تعزيز التجارة البينية. الصين، التي تشترك مع الهند في كونها أكبر مستوردين للطاقة في آسيا، ترى في هذا التقارب فرصة لبناء محور اقتصادي جديد يقلل الاعتماد على الغرب.
تداعيات على الاقتصاد العالمي
توازنات الطاقة: استمرار تدفق النفط الروسي إلى الهند والصين يحدّ من ارتفاع أسعار الطاقة عالمياً.
التحالفات التجارية: تقارب بكين ونيودلهي يعيد تشكيل ميزان القوى في آسيا ويقلص النفوذ الأمريكي في المنطقة.
الاستثمار الدولي: تصاعد التوتر التجاري بين واشنطن ونيودلهي قد يحدّ من الاستثمارات الأمريكية في السوق الهندي.
الخلاصة
النفط الروسي لم يعد مجرد سلعة في ميزان التجارة الدولية، بل أصبح جسر الهند إلى الصين، ومصدراً لتعزيز استقلالها الاستراتيجي، وفي الوقت نفسه كابوساً لصناع القرار في واشنطن الذين يرون في هذا التقارب تهديداً لمحاولاتهم احتواء موسكو وبكين. العالم يتجه بسرعة نحو واقع متعدد الأقطاب، والهند تبدو مصممة على أن تكون لاعباً أساسياً فيه لا تابعاً لأحد.