تواصلت إدانات الأحزاب المصرية إزاء تعديل قانون نظام هيئة قناة السويس رقم 30 لسنة 1975، الذي أعدته الحكومة على عجل استجابة لتوجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحظي بموافقة غير نهائية من مجلس النواب، ويهدف إلى خصخصة ملكية القناة بإنشاء صندوق تابع لها، ومنحه سلطة تأسيس الشركات مع الغير، والاستثمار في الأوراق المالية، وشراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال أصولها الثابتة والمنقولة والانتفاع بها.
وأعلن حزب الكرامة، الثلاثاء، رفضه القاطع لتعديل قانون هيئة قناة السويس لإنشاء صندوق خاص غرضه المعلن هو استثمار أصول الهيئة، وتنمية فوائضها المالية، مؤكداً أن “التعديل يفتح في واقع الأمر باباً خلفياً للفساد، ويزيد من معاناة الاقتصاد المصري الجريح، ويعمق اختلالاته الهيكلية التي بدأت مع تجربة إنشاء الصناديق الخاصة المريرة”.
وأضاف الحزب، في بيان، أن “الصندوق الجديد يمثل ثغرة خطيرة يمكن أن تؤول في نهاية المطاف إلى فقدان الدولة السيطرة على المرفق الأهم في البلاد، وهو قناة السويس التي بذل الشعب العرق والدم وكثيرا من التضحيات في سبيل إنشائها، واستردادها، والمحافظة عليها، بعد عقود طويلة من الاحتلال”.
وتابع: “الاندفاع غير المحسوب لإنشاء صندوق خاص يكون له الحق في شراء وبيع وتأجير واستئجار واستغلال الأصول الثابتة والمنقولة لقناة السويس، يثير شكوكاً حول الغرض الحقيقي لهذه التعديل المشبوه، وهو أمر ليس له ما يبرره، ويُنذر بتغييرات مخيفة تمس الأمن القومي المصري، بكل ما تمثله من قيمة استراتيجية مهمة للأمن القومي، ومكانة مصر الجيوستراتيجية في الإقليم والعالم”.
وزاد الحزب: “مبعث قلقنا من تعديل القانون يتمثل في المادة التي تقضي باستخدام أموال قناة السويس في مجابهة الأزمات والحالات الطارئة التي تحدث نتيجة أية ظروف استثنائية، أو قوة قاهرة، أو سوء في الأحوال الاقتصادية، لأن الإدارة غير الرشيدة للاقتصاد الوطني تمهد إلى أزمات اقتصادية أكثر عنفاً في المستقبل القريب”.
وأضاف: “نحن نتخوف أن يكون الغرض الحقيقي لهذا التعديل هو استخدام الصندوق المزمع تأسيسه للاستدانة بضمان أصول الهيئة، ومن ثم اللجوء لتوريطها وطرحها في البورصات العالمية إن عجزت الدولة عن سداد ديونها في أي وقت. وهي مقامرة غير مقبولة بثروات الوطن، واستخفاف مرفوض بتاريخ المصريين وتضحياتهم العظيمة في سبيل أن تظل قناة السويس مصرية خالصة”.
وأكمل البيان: “حزب الكرامة، إذ يشارك جماهير الشعب المصري قلقها المشروع من تعديلات القانون المشبوهة، فإنه يطالب الحكومة بسحبها من البرلمان فوراً، وعدم التقدم مرة أخرى بمثل هذه التعديلات التشريعية التي لا تحمل تقديراً للشعب وتضحياته، أو الوطن وثرواته. ويلفت النظر إلى أن القناة ليست ملكاً لأي سلطة أو حكومة، وأن مالكها الحصري والوحيد هو الشعب المصري وأجياله”.
وختم الحزب بالقول: “على السلطة الحاكمة أن تتوقف عن سياسة الحكم بالصناديق الخاصة، وتعيد النظر في مبدأ وحدة الموازنة العامة الذي يتطلبه الظرف الراهن، بعد الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تسببت فيها سياسات تفتقر للرشد، أو أولويات هذا الوطن ومشكلات أبنائه”.
كذلك أصدرت أحزاب العربي الناصري والاشتراكي المصري والوفاق القومي بياناً مشتركاً، دعت فيه الرئيس المصري إلى عدم التصديق على تعديل القانون في حالة إقراره نهائياً من مجلس النواب، مؤكدة أن “الشعب المصري، وكل قواه السياسية الوطنية الحية، ترفض هذا القانون بوصفه يمثل خطراً داهماً على الدولة، ويكرر مآسي الصناديق السيادية البعيدة عن رقابة السلطة التشريعية، بوصفه ستاراً لخصخصة ملكية قناة السويس جزئياً أو كلياً”.
وأفادت الأحزاب بأن “إنشاء صندوق مستقل لأداء وظيفة من أخص وظائف الدولة مثل الاستثمار والتنمية، معناه إبعاد ممارساته عن حق صاحب القرار الأصيل في ذلك، وهو الشعب، وتغييب دور البرلمان بشأن ممارسة حقه الدستوري في التشريع والرقابة على الاستثمار، فضلاً عن التمهيد لإمكانية التفريط في الأصول وبيعها”.
وأضافت في البيان: “إنشاء الصندوق يخل بوحدة الموازنة العامة، التي من المفترض أن تشمل جميع إيرادات الدولة، وتتصرف فيها على نحو كلي في تنظيم الإنفاق والاستهلاك والاستثمار كوحدة واحدة تحت سيادة الدولة، وسلطتها التشريعية، مع توافر العلنية التي تيح الرقابة الشعبية على هذه الممارسات، بخلاف ما يحدث مع أموال الصناديق الخاصة”.
وتابعت: “المادة 15 مكرراً (3) في التعديلات المطروحة اعتبرت الصندوق أحد أشخاص القانون الخاص، وبهذا تنزع عن قناة السويس أو النسبة التي تساهم بها -وهي غير محددة وقابلة للزيادة بقرارات إدارية- صفة المال العام، وذلك تيسيراً لإجراءات الخصخصة والبيع، كما حدث في السابق مع شركات القطاع العام”.
وشددت الأحزاب على أن جعل الصندوق “سيادياً”، وتحت الإشراف المباشر لرئيس الجمهورية، يخرجه وتصرفاته من ولاية السلطة القضائية باعتباره ليس قراراً إدارياً قابلاً للطعن أمام القضاء، مستطردة بأن “توقيت طرح القانون، والتعجل في إصداره من دون أدنى مناقشة مجتمعية، أو استماع إلى آراء السياسيين والخبراء، يرتبط بطبيعة الحال بالمفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، وكونه وكيلاً للدائنين الذين يريدون ضماناً لديونهم برهن أصولنا”، وفق البيان.
وواصلت: “السلطة التنفيذية أفرطت بشدة في الاستدانة من الخارج، وخصصت أموال الديون في تطوير المرافق والبنية التحتية التي لا تدر عائداً إنتاجياً، وبالتالي وضعت البلاد تحت خطر المضطر للخضوع لشروط الدائنين في خصخصة أصول الدولة، بحسب ما ورد في وثيقة ملكية الدولة. وتمرير تعديلات القانون بصورتها الحالية هو إفراغ للحوار الوطني من مضمونه الرئيسي، لأن قناة السويس هي الرمز التاريخي لاستقلال وسيادة مصر، ودفعت ثمناً غالياً في حفرها”.
وختمت الأحزاب: “هناك 120 ألفاً من المصريين ماتوا بسبب حفر قناة السويس، بالإضافة إلى عشرات الآلاف من الشهداء الذين سقطوا في سبيل استرداد القناة، بعد الاستيلاء عليها من إنكلترا وفرنسا، نتيجة إغراق الخديوي إسماعيل الدولة المصرية في الاستدانة، وخضوعه في النهاية لشروط الدائنين”.
وكان حزب التحالف الشعبي الاشتراكي قد اتهم نظام الحكم الحالي بـ”إهدار كل مكتسبات نضال الشعب المصري التاريخية، بعد أن أغرق البلاد في الديون الخارجية”، محذراً من تداعيات خصخصة هيئة قناة السويس، وإمكانية مبادلة ديون الدولة بأسهم القناة، بعد الإعلان عن تدشين صندوق جديد للهيئة بغرض واحد هو بيع أصولها.
وقال الحزب إن “التاريخ يعيد نفسه، والمشابهة قائمة مع ديون عهد الخديوي إسماعيل التي أنفقت على البذخ والترف، وأدت إلى وقوع مصر في النهاية في العبودية المالية للدائنين والمرابين الأجانب. وتكتمل المشابهة إلى حد التطابق باقتراب نظام الحكم القائم من خصخصة قناة السويس، ليستنسخ مسألة بيع الخديوي إسماعيل حصة مصر في أسهم القناة من أجل سداد ديون الدولة. الأمر الذي كلف البلاد فقدان سيادتها السياسية بعد فقدان سيادتها الاقتصادية، إلى أن تمكنت في عام 1956، وبعد ما يقرب من قرن من الزمان، من تأميم قناة السويس بقرار كلف الدولة مواجهة بريطانيا وفرنسا وإسرائيل مجتمعة”.