كيف يؤثر الإعلام في سلوك وتوجهات الجمهور الرياضي

كيف يؤثر الإعلام في سلوك وتوجهات الجمهور الرياضي

- ‎فيمقالات رأي

احمد الشايع

تأثير الإعلام الرياضي: دراسة في استراتيجيات التأثير والنظريات الإعلامية

الإعلام الرياضي لا يقتصر فقط على تغطية الأحداث الرياضية؛ بل يُعد أداة قوية ومؤثرة في تشكيل وعي الجماهير وسلوكياتهم. في هذا المقال، نتناول كيف يؤثر الإعلام في الجمهور الرياضي من خلال نظريات إعلامية متنوعة، تُسهم بشكل أساسي في بناء مشاعر الانتماء وتوجيه الاهتمامات الاجتماعية. بالإضافة إلى استعراض كيفية تكيف الإعلام الرياضي مع التحديات المتزايدة، وكيفية تأثيره في التفاعلات الجماهيرية والتغطيات المستمرة للرياضة.

الإعلام الرياضي: الآلية والقوة الفاعلة

في عالم اليوم، أصبح الإعلام الرياضي أحد أبرز أدوات التأثير في الجماهير. يعتمد الإعلام الرياضي في تأثيره على مجموعة من النظريات الإعلامية التي تركز على كيفية تأثير الرسائل الإعلامية على الجمهور بشكل سريع أو طويل الأمد. من تغطية الأحداث الرياضية الحية إلى تشكيل التصورات الرياضية العامة، يُظهر الإعلام الرياضي قدرة استثنائية على تكوين مواقف ومشاعر قد تؤثر في المدى القصير والطويل على الجمهور.

نظرية التأثير المباشر أو قصير المدى: الفعالية الفورية للإعلام الرياضي

تُظهر نظرية التأثير المباشر أو قصير المدى كيف يستطيع الإعلام أن يحدث تأثيرًا فوريًا وعميقًا على الجماهير. تعتمد هذه النظرية على قدرة الإعلام في إرسال رسائل موجهة ومكثفة تستهدف الجمهور بشكل مباشر، مُحدثة تفاعلات فورية سواء على مستوى المشاعر أو السلوكيات. وتستند إلى فكرة أن الجمهور يستجيب بسرعة للمحتوى الإعلامي، بما في ذلك الصور، التعليقات، أو اللحظات المثيرة التي تحدث أثناء الأحداث الرياضية.

على سبيل المثال، يُستخدم الإعلام الرياضي هذه النظرية بشكل فعال عبر التغطية الحية للمباريات، حيث يعكف على جذب انتباه الجمهور باستخدام مشاهد حماسية وتعليقات مثيرة للمشاعر، مما يؤدي إلى تفاعلات فورية كالتعليقات السريعة على وسائل التواصل الاجتماعي أو التصفيق الحماسي في الملاعب.

تعزيز التأثير الفوري
عند تعميق تأثيره، يعتمد الإعلام الرياضي على تبسيط الرسائل، ويستخدم لغة عاطفية وبصرية تستهدف إثارة مشاعر الحماس والانتماء، في محاولة لتحفيز الجمهور على دعم فرق معينة أو المشاركة في الأنشطة الرياضية. لكن تأثير هذه النظرية يكون مؤقتًا، حيث يتلاشى بسرعة مع انتهاء الحدث أو تغير الحافز الإعلامي.

نظرية التأثير على المدى الطويل: تأثير الإعلام المستدام

في المقابل، تركز نظرية التأثير على المدى الطويل على التأثير التدريجي للإعلام. هذه النظرية تؤمن أن الإعلام لا يؤدي إلى تغيير فوري في المواقف أو السلوكيات، بل يحدث تأثيرًا مستمرًا ومتراكمًا مع مرور الوقت. تعتمد على فكرة أن الجماهير تتأثر بشكل تدريجي من خلال التعرض المستمر للمحتوى الإعلامي.

الإعلام الرياضي يطبق هذه النظرية من خلال برامج رياضية تحرص على تعزيز القيم الرياضية مثل الانتماء للأندية ودعم روح المنافسة الشريفة، بالإضافة إلى نشر ثقافة الحياة الصحية عبر ممارسة الرياضة. كما تسهم هذه الاستراتيجيات في تشكيل التصورات العامة حول الأحداث الرياضية الكبرى مثل دعم المنتخبات الوطنية أو استضافة البطولات العالمية، مما يعزز في النهاية الوعي الرياضي على المدى الطويل.

التحديات التي تواجه الإعلام الرياضي
ورغم فعالية هذه النظرية في تحقيق تأثيرات عميقة ومستدامة، إلا أن الإعلام يواجه تحديات عديدة تتمثل في الحفاظ على انتباه الجمهور وسط تنوع مصادر الإعلام وتغير الأولويات الاجتماعية. كما أن التأثير الإعلامي يتطلب استمرارية وتكرار الرسائل لضمان بقاء تأثيرها.

نظرية مقاومة الرسائل المضادة: تمكين الجمهور من التفكير النقدي

تعد نظرية التطعيم أو التلقيح من بين الأدوات الفعّالة التي يستخدمها الإعلام الرياضي لتعزيز قدرة الجمهور على مقاومة الرسائل الإعلامية المضادة. تهدف هذه النظرية إلى “تطعيم” الجمهور ضد الرسائل السلبية، بتزويدهم بمعلومات مسبقة تساعدهم على التعامل مع أي حملات إعلامية مضادة قد تهدف إلى تشويه سمعة فريق أو لاعب.

في الإعلام الرياضي، يمكن تطبيق هذه النظرية من خلال تقديم وجهات نظر معاكسة وتحذيرات مسبقة ضد التشويش الإعلامي. ويؤدي ذلك إلى زيادة وعي الجمهور وتمكينهم من التصدي للشائعات، مما يعزز ثقتهم في الإعلام الرياضي ويدعم علاقة الإعلام بالجمهور.

نظرية تحديد الأولويات: توجيه الاهتمام الإعلامي

تعتبر نظرية تحديد الأولويات من أعمق الأدوات الإعلامية في التأثير على الجمهور. عبر هذه النظرية، يحدد الإعلام ما هي القضايا التي يجب أن يتوجه إليها اهتمام الجمهور. من خلال تسليط الضوء المستمر على موضوعات معينة، مثل الفرق أو البطولات الرياضية، يؤثر الإعلام بشكل غير مباشر في اهتمامات الجمهور.

الإعلام الرياضي يطبق هذه النظرية بشكل واضح عبر تخصيص تغطيات مكثفة لبطولات أو فرق معينة، مما يعزز من أولويات الجمهور ويجعله يولي هذه المواضيع اهتمامًا أكبر من غيرها. ويمكن أن يساهم هذا في تشكيل الرأي العام حول قضايا رياضية معينة، مما يوجه النقاش العام ويحدد ما هو الأكثر أهمية في المجال الرياضي.

نظرية حارس البوابة: دور الإعلام في تصفية الأخبار

أخيرًا، تُبرز نظرية حارس البوابة الدور الحاسم الذي يلعبه الإعلام في تحديد الأخبار والمعلومات التي تصل إلى الجمهور. يُعد الصحفيون والمحررون بمثابة “حراس بوابة” المعلومات، حيث يقومون باختيار الأخبار التي يُسمح لها بالظهور، بناءً على معايير متعددة كالأهمية الاجتماعية، والجدة، والتأثير العاطفي.

في الإعلام الرياضي، يُظهر ذلك من خلال كيفية اختيار وسائل الإعلام لتغطية أحداث رياضية معينة، ما يساهم في تشكيل اهتمامات الجمهور وتوجهاته.

والإعلام الرياضي هو أداة فعالة في تشكيل الثقافة الرياضية ووعي الجمهور. من التأثيرات الفورية التي تحدثها التغطيات الحية، إلى التأثيرات المستدامة التي تُرسخ القيم الرياضية عبر الزمن، يلعب الإعلام دورًا محوريًا في بناء وتوجيه اهتمامات الجماهير. وبينما يواجه تحديات في مواجهة الرسائل السلبية وتعدد المصادر الإعلامية، يبقى تأثير الإعلام الرياضي قويًا ومؤثرًا في تشكيل السلوكيات والمواقف تجاه الرياضة في المجتمع.

 

احمد عبدالله الشايع
طالب ماجستير تنفيذي في الادارة الرياضية والترويحية
جامعة الملك سعود

You may also like

القمة العالمية للحكومات: مستقبل القيادة والتكنولوجيا في دبي

القمة العالمية للحكومات هي منصة عالمية لرسم ملامح