سوريا تدخل عصر الطاقة المتجددة: اتفاق استثماري بقيادة قطرية وأمريكية ب7 مليارات دولار

سوريا تدخل عصر الطاقة المتجددة: اتفاق استثماري بقيادة قطرية وأمريكية ب7 مليارات دولار

- ‎فيعام
وزارة الطاقة السوريةوزارة الطاقة السورية

 

في تحوّل مفصلي يعكس انفتاحاً جديداً لسوريا على الاستثمار الدولي بعد أكثر من عقد من العزلة والعقوبات، وقّعت دمشق اتفاقاً تاريخياً في مجال الطاقة مع تحالف دولي بقيادة شركة “UCC Holding” القطرية، وبمشاركة شركات من الولايات المتحدة وتركيا وقطر، لتطوير قطاع الكهرباء السوري بتمويل يصل إلى 7 مليارات دولار. يمثل هذا الاتفاق الأكبر في تاريخ سوريا الحديث في مجال البنية التحتية للطاقة، ويأتي في توقيت يحمل دلالات سياسية واقتصادية متعددة، وسط تحولات إقليمية ودولية لافتة.

تفاصيل الاتفاق: أربع محطات غازية ومحطة شمسية

يشمل الاتفاق تنفيذ أربع محطات لتوليد الكهرباء تعمل بالغاز بقدرة إجمالية تصل إلى 4000 ميغاواط، وهو ما يعادل تقريباً ضعف القدرة الإنتاجية الحالية للبلاد. كما يتضمن المشروع إنشاء محطة طاقة شمسية في جنوب سوريا بقدرة 1000 ميغاواط، مما يعكس توجهاً نحو تنويع مصادر الطاقة ودمج الحلول المستدامة ضمن شبكة الكهرباء الوطنية.

من المتوقع إنجاز المحطات الغازية خلال ثلاث سنوات، بينما تُستكمل المحطة الشمسية خلال أقل من عامين، وفق تصريحات صادرة عن وزارة الكهرباء السورية. في حال الالتزام بالجدول الزمني، سيؤدي هذا المشروع إلى تغطية أكثر من 50% من احتياجات سوريا الكهربائية، وهو ما من شأنه أن يُحدث نقلة نوعية في حياة المواطنين، ويعيد تحريك العجلة الصناعية والخدمية التي تأثرت بشدة جراء الانقطاع المستمر في التيار الكهربائي.

الشركاء الدوليون: استثمارات تتجاوز السياسة

الشركة القطرية “UCC Holding” المعروفة بإدارتها لمشاريع بنية تحتية ضخمة في الشرق الأوسط، تقود التحالف الاستثماري، ويضم إلى جانبها شركات أمريكية وتركية، في مشهد يعكس تقاطع المصالح الاقتصادية فوق اعتبارات السياسة. المثير للاهتمام أن هذه الشراكة تأتي في ظل تخفيف جزئي للعقوبات الأمريكية المفروضة على سوريا لمدة ستة أشهر، بهدف إفساح المجال لتنفيذ مشاريع إنسانية وتنموية حيوية.

ويُعد هذا التوجه تحولًا مهمًا في الموقف الأمريكي تجاه سوريا، خاصة بعد إعادة فتح مقر إقامة السفير الأمريكي في دمشق لأول مرة منذ أكثر من عشر سنوات، بمشاركة رسمية من مبعوث واشنطن الخاص إلى سوريا، وهو ما أعطى الاتفاق بعداً دبلوماسياً يتجاوز ملف الكهرباء.

 

الأثر الاقتصادي: إنعاش محتمل وشرايين إنتاج جديدة

من المتوقع أن يُحدث الاتفاق دفعة قوية للاقتصاد السوري، ليس فقط من حيث تحسين خدمات الكهرباء، بل عبر تحريك قطاعات الصناعة، والزراعة، والخدمات، والتجارة الداخلية والخارجية. ووفق تقديرات أولية، فإن كل زيادة بنسبة 10% في استقرار التيار الكهربائي تقابلها زيادة بنسبة 2-3% في الناتج المحلي الإجمالي.

إضافة إلى ذلك، سيفتح المشروع أبوابًا جديدة للتوظيف المباشر وغير المباشر، من خلال فرص العمل في مواقع الإنشاء، وسلاسل التوريد المحلية، وقطاع الخدمات الداعمة، ما سيُسهم في تقليص نسب البطالة المرتفعة في البلاد.

كما سيشكل المشروع بيئة أكثر جذبًا للمستثمرين المحليين والعرب والأجانب، خصوصاً في حال نجاحه كمثال على إمكانية تنفيذ شراكات ذات جدوى في بيئة معقدة مثل سوريا، مع التزام سياسي واقتصادي واضح من مختلف الأطراف.

تحديات التنفيذ: واقع معقد وآمال مرتفعة

رغم الأبعاد الإيجابية للمشروع، فإن تحديات التنفيذ تظل حاضرة بقوة، بدءًا من البنية التحتية المتآكلة، مرورًا بملف العقوبات الدولية، وانتهاءً بالمخاطر الأمنية في بعض المناطق. كما أن الالتزام بالجدول الزمني وتمويل المراحل المختلفة من المشروع سيكونان رهنًا بالاستقرار السياسي والضمانات القانونية للمستثمرين.

التجربة السابقة لسوريا في تنفيذ مشاريع كبرى خلال العقود الماضية، وخاصة تلك التي تأثرت بالفساد أو سوء الإدارة، تضع ضغطًا على الجهات المنفذة والحكومة لضمان الشفافية والمتابعة الفنية والمالية الصارمة.

الرسائل السياسية: الاقتصاد بوابة الانفتاح

هذا الاتفاق ليس مجرد صفقة اقتصادية، بل يحمل في طياته رسائل سياسية واضحة على أكثر من مستوى. فمن جهة، تسعى سوريا إلى إيصال رسالة بأنها منفتحة على التعاون الإقليمي والدولي وتبحث عن شراكات طويلة الأمد لإعادة بناء ما دمرته الحرب. ومن جهة أخرى، فإن انخراط شركات من دول كبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة، يعطي إشارة بأن الملف السوري قد يشهد تحولًا تدريجيًا نحو التسويات السياسية والاقتصادية المشتركة، بعيدًا عن منطق العزل الكامل.

الخاتمة: بداية جديدة أم اختبار معقد؟

في ظل كل ما سبق، يمكن القول إن اتفاق الـ7 مليارات دولار يمثل بداية جديدة محتملة لقطاع الطاقة السوري، ونقطة ارتكاز لمشاريع إعادة الإعمار الأخرى. إلا أن نجاحه سيتوقف على عوامل كثيرة، في مقدمتها الالتزام الفعلي من الأطراف المعنية، واستقرار البيئة السياسية، وقدرة الحكومة السورية على تأمين الأرضية اللازمة للإنجاز.

المشروع قد يكون نموذجًا يُحتذى به في دمج الاعتبارات الاقتصادية بالتسويات السياسية، ويعيد تشكيل نظرة المجتمع الدولي تجاه فرص الاستثمار في سوريا. فهل تنجح دمشق في ترجمة هذه الفرصة إلى واقع مستدام، أم يتحول الاتفاق إلى مجرد عنوان مؤقت في ملفات الشرق الأوسط المتغيرة؟

You may also like

ثمانية تفوز بحقوق النقل الحصري للدوري السعودي وكأس السوبر حتى 2031

في خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز مكانة الرياضة