استقبل ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، رئيسة وزراء الجمهورية الإيطالية جورجيا ميلوني، في المخيم الشتوي بمدينة العلا، يوم الأحد الموافق 27 يناير 2025، وذلك في إطار زيارة رسمية لها إلى المملكة العربية السعودية. وقد شمل اللقاء تعزيز العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث تم استعراض الأوجه المختلفة للتعاون بين المملكة وإيطاليا في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، إلى جانب مناقشة مستجدات القضايا الإقليمية والدولية ذات الاهتمام المشترك.
زيارة تاريخية وتعزيز العلاقات الثنائية
تعد زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى المملكة، التي جاءت في وقتٍ حاسم من تاريخ العلاقات بين البلدين، خطوة مهمة نحو تعزيز الروابط بين الرياض وروما. في البداية، رحب ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز برئيسة الوزراء ميلوني، مشيداً بأهمية هذه الزيارة في تعزيز العلاقات بين المملكة وإيطاليا. من جانبها، عبرت رئيسة الوزراء ميلوني عن سعادتها البالغة بزيارة المملكة، مؤكدة على أن هذه الزيارة تمثل بداية جديدة في تعزيز الشراكة بين البلدين على جميع الأصعدة.
هذه الزيارة تأتي في وقت تشهد فيه المملكة العربية السعودية تحولات كبيرة في سياستها الداخلية والخارجية، وهو ما جعلها محط أنظار العديد من الدول الكبرى، بما في ذلك إيطاليا. كانت العلاقة بين البلدين قد بدأت في عام 1932 عندما أقامت إيطاليا أولى العلاقات الدبلوماسية مع المملكة، ومنذ ذلك الحين، استمرت تلك العلاقات في النمو والتطور، خاصةً في السنوات الأخيرة التي شهدت زيارات متبادلة بين القيادات السعودية والإيطالية، فضلاً عن تعزيز التعاون في العديد من المجالات الاقتصادية والثقافية.
اتفاقية إنشاء مجلس الشراكة الاستراتيجية
بعد الاجتماع الذي جمع بين ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا، تم توقيع اتفاقية لإنشاء “مجلس الشراكة الاستراتيجية” بين حكومتي المملكة العربية السعودية وإيطاليا. هذا المجلس يهدف إلى تعزيز التعاون في عدة مجالات استراتيجية تشمل الاقتصاد، التجارة، الثقافة، والتكنولوجيا، فضلاً عن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وحفظ الأمن.
تعد هذه الخطوة خطوة هامة نحو إقامة شراكة استراتيجية بين البلدين على المدى الطويل، حيث يطمح الطرفان إلى تنسيق الجهود في مواجهة التحديات المشتركة، سواء على الصعيد الإقليمي أو الدولي. كما يعكس هذا التوجه رغبة المملكة في تعزيز علاقاتها مع الاتحاد الأوروبي ودول البحر الأبيض المتوسط، في وقتٍ يشهد فيه العالم تحولاً كبيراً في موازين القوى السياسية والاقتصادية.
العلاقات الاقتصادية والتجارية
من أبرز محاور زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية إلى المملكة كان بحث سبل تعزيز التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. ففي السنوات الأخيرة، شهدت العلاقات الاقتصادية بين الرياض وروما نمواً ملحوظاً، حيث ارتفع حجم التبادل التجاري بشكل كبير. إيطاليا تعد واحدة من أبرز شركاء المملكة التجاريين في الاتحاد الأوروبي، وتغطي المنتجات الإيطالية العديد من القطاعات، مثل الآلات والمعدات الصناعية، والمنتجات الغذائية، والمستحضرات التجميلية، والسيارات، بالإضافة إلى الاستثمارات في مشاريع البناء والبنية التحتية.
وفي هذا السياق، يسعى البلدان إلى زيادة التعاون في مجالات مثل الطاقة المتجددة، الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا الحديثة، والسياحة. وفي إطار رؤية المملكة 2030، تعتبر إيطاليا شريكاً مهماً في تحفيز الابتكار وتعزيز التعاون في مجالات السياحة والفنون والثقافة، حيث تسعى المملكة إلى جذب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في القطاع السياحي.
القضايا الإقليمية والدولية
علاوة على التعاون الاقتصادي، تم التطرق خلال اللقاء إلى العديد من القضايا الإقليمية والدولية. فقد تم استعراض الوضع السياسي في الشرق الأوسط، وتبادل الآراء بشأن التطورات في العراق وسوريا، بالإضافة إلى الوضع في ليبيا وفلسطين. كما تم التركيز على الأزمات الحالية التي تؤثر على الاستقرار في المنطقة، مثل الحرب في اليمن والأزمة السورية. وقد أكدت رئيسة الوزراء ميلوني على دعم إيطاليا الكامل للمملكة في جهودها الساعية إلى تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
كما تم التطرق إلى التعاون بين المملكة وإيطاليا في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف، حيث أعرب الطرفان عن التزامهما الكامل بمحاربة الفكر المتطرف وتعزيز التعاون الاستخباراتي من أجل مواجهة التهديدات الأمنية. كما ناقش الجانبان سبل تعزيز التعاون في مواجهة التحديات المناخية، من خلال تعزيز مبادرات الحفاظ على البيئة والتوسع في استخدام مصادر الطاقة المتجددة.
بعد تاريخي طويل
من المعروف أن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيطاليا قد بدأت في عام 1932 عندما كانت إيطاليا من أوائل الدول التي أقامت علاقات دبلوماسية مع المملكة، وافتتحت قنصلية لها في مدينة جدة. وبعد عام واحد، تم توقيع اتفاقية للتعاون بين البلدين، ما أسهم في تأسيس علاقة قوية ومتميزة بين الرياض وروما.
تجدر الإشارة إلى أن إيطاليا تعتبر من الدول الرائدة في مجالات الثقافة والفن والهندسة المعمارية، وقد استفادت المملكة من الخبرات الإيطالية في تطوير العديد من مشاريع البنية التحتية، لا سيما في مجالات البناء والطاقة. كما أن الثقافة الإيطالية، سواء في فنون الطهي أو في التصميم، تلعب دوراً كبيراً في تعزيز التبادل الثقافي بين الشعبين.
في نهاية الزيارة، توجهت رئيسة وزراء إيطاليا إلى البحرين لمواصلة جولتها في المنطقة، بعد أن اختتمت لقائها مع المسؤولين السعوديين في العلا. هذه الزيارة تعد بمثابة انطلاقة جديدة في تعزيز العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيطاليا، وقد أكدت الطرفين التزامهما بتوسيع التعاون في جميع المجالات، بما يخدم المصالح المشتركة للبلدين والشعوب.
لذلك تمثل زيارة رئيسة وزراء إيطاليا إلى المملكة العربية السعودية خطوة كبيرة نحو تعميق الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وروما. من خلال تعزيز التعاون في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية، يتطلع البلدان إلى مستقبل أكثر إشراقاً من خلال التعاون المتبادل والمستمر.