تشهد إيران في عام 2025 واحدة من أسوأ أزماتها المائية على الإطلاق، مع دخولها السنة الخامسة على التوالي من الجفاف، وتراجع مستويات الخزانات المائية إلى أدنى مستوياتها منذ عقود. وعلى الرغم من أن الأزمة تبدو في ظاهرها بيئية، إلا أن تداعياتها الاقتصادية باتت أكثر وضوحًا وتهديدًا لبنية الدولة وسوق العمل ومؤشرات الاستقرار العام.
📉 اقتصاد الزراعة في مهب الجفاف
يعتمد أكثر من 90% من استخدامات المياه في إيران على القطاع الزراعي، الذي لا يساهم بأكثر من 11% من الناتج المحلي الإجمالي. هذا الخلل البنيوي بين الاستهلاك والعائد يعكس ضعف سياسات إدارة الموارد، ويؤدي إلى تراجع العوائد الزراعية وارتفاع أسعار المواد الغذائية، مما يفاقم التضخم المحلي ويضغط على الطبقات المتوسطة والفقيرة.
⚠️ البنية التحتية والتهالك المالي
انخفضت نسبة امتلاء السدود في العاصمة طهران إلى أقل من 15%، وبعضها كـ”سد درَم لار” لم يتجاوز 1%. وتشير التقارير إلى أن حوالي 320 ألف بئر ماء تُستغل بشكل غير قانوني، في ظل غياب رقابة فعالة أو استراتيجية واضحة لإدارة الموارد الجوفية. هذه الفوضى تتسبب في هبوط أرضي يصل إلى 30 سم سنويًا في بعض المناطق، ما يهدد العقارات والبنى التحتية ويفرض تكلفة اقتصادية هائلة على المدى الطويل.
🔌 انعكاسات على الطاقة والصناعة
ترتبط أزمة المياه مباشرة بإمدادات الكهرباء في إيران، حيث تعتمد محطات الطاقة الكهرومائية على مستوى الخزانات. ومع التراجع الحاد، فرضت الحكومة انقطاعات يومية للكهرباء في بعض المدن، ما أدى إلى تباطؤ الإنتاج الصناعي وإغلاق عدد من الورش الصغيرة. النقص في المياه يهدد كذلك الصناعات الثقيلة والبتروكيميائية، وخاصة في المحافظات الجنوبية التي تعتمد على مياه الخليج العربي في عمليات التبريد والنقل.
👥 البعد الاجتماعي والسياسي للأزمة
احتجاجات المياه بدأت في خوزستان وسيستان وبلوشتستان وتوسعت إلى مناطق أخرى مثل يزد وأصفهان. هذه التظاهرات ليست فقط صرخة من أجل مياه الشرب، بل تعبير عن استياء عام من التهميش وسوء توزيع الموارد، ويُخشى أن تتطور إلى موجات اضطراب أوسع في ظل تراجع الثقة بالحكومة.
🧩 فرص الحل والاستثمار المستدام
رغم تعقيد المشهد، فإن الأزمة تمثل فرصة لإعادة هيكلة الاقتصاد المائي في إيران. يمكن استغلال العقوبات الحالية كدافع للاعتماد على التقنيات المحلية في معالجة مياه الصرف وإعادة التدوير، وتطوير الزراعة الذكية منخفضة الاستهلاك. كما يمكن أن يشكل مشروع نقل المياه من الخليج العربي إلى الداخل الإيراني نواة لتحالفات تنموية بين القطاعين العام والخاص، إذا ما أُدير بشفافية وكفاءة.
✒️ خاتمة
ما تواجهه إيران اليوم ليس مجرد جفاف مناخي، بل جفاف في الرؤية والسياسة المائية. إن لم يُعاد النظر في استراتيجيات التوزيع والاستثمار في البنية التحتية، فإن “أزمة المياه” ستتحول إلى “أزمة وجودية” تهدد ركائز الاقتصاد والمجتمع معًا. الاستثمار في الماء، هو استثمار في الأمن القومي.