فخري الفقي: الأسواق المصرية لن تهدأ من دون تعويم الجنيه وبيع أصول

فخري الفقي: الأسواق المصرية لن تهدأ من دون تعويم الجنيه وبيع أصول

- ‎فيمنوعات

أكد رئيس لجنة الخطة بمجلس النواب المصري فخري الفقي، في مقابلة مع “العربي الجديد”، أنّ الأسواق لن تهدأ بدون اكتمال القروض المستهدفة وتعويم العملة وفتح باب الاستيراد عبر خطابات الضمان المعتادة.

وأضاف أن قيمة القرض ليست في حجمه، رغم أنه في حدود 3 مليارات دولار، ولكن في إجمالي التمويلات التي ستحصل عليها الحكومة، التي تصل إلى 18 مليار دولار. وفيما يلي نص الحوار:

– لماذا تبدو عليك نشوة الانتصار في مفاوضات صندوق النقد الدولي رغم أنين المصريين من حالة الغلاء وتراجع قيمة الجنيه؟
جاءت موافقة الصندوق بعد ماراثون مفاوضات استغرقت نحو 8 أشهر، وضعت الاقتصاد خلاله في فترة عدم يقين وضبابية، وأدت إلى انتشار السوق السوداء في العملة الأجنبية، وخاصة الدولار، ومزيد من التراجع في قيمة الجنيه، وتخوف المستثمرين من دخول السوق المصرية، واكب ذلك التداعيات الجيوسياسية، منذ اندلاع الحرب الروسية في أوكرانيا، وشح الواردات وارتفاع السلع، وعدم قدرة الموردين على الاستيراد.

عندما تأتي موافقة الصندوق في ظل هذه الأوضاع السيئة في مجتمع يعاني من أزمات مالية، لا بد أن نعتبرها بداية للانفراج وظهور ضوء في نهاية النفق المظلم، الذي وضع به الاقتصاد لفترة زمنية طويلة.

– هل تعتقد أنّ قرضاً أقل من 1% من قروض حصلنا عليها خلال 8 سنوات، سيُضخ جزء منه نقداً والباقي لسداد ديون، قادر على إخراج الاقتصاد من الأزمة الحالية؟
قيمة القرض ليست في حجمه، رغم أنه في حدود 3 مليارات دولار، ولكن في إجمالي التمويلات التي ستحصل عليها الحكومة، والتي تصل إلى 18 مليار دولار. سيتولى البنك دفع المبلغ المتفق عليه، على أقساط ربع سنوية، في حدود 360 مليون دولار.

يستخدم القسطين الأوليين نقداً، في ميزانية العام الحالي 2022/ 2023، بالإضافة إلى 1.3 مليار دولار ستأتي دفعة واحدة، خلال أسابيع، من صندوق المرونة والاستدامة التابع للصندوق، كقرض ميسر يسدد على 20 عاماً، بفائدة 2%، أي مدعومة ومغايرة تماماً لأسواق الفائدة التي ارتفعت إلى ما يزيد عن 7% دولياً، مع زيادة الفائدة على الدولار والعملات الرئيسية.

يمنح الصندوق ضمانة بالتزام مؤسسات التمويل العربية والدولية لبدء الدعم النقدي للاحتياطي النقدي، المقدر بنحو 14 مليار دولار، عبر قروض تمويل صفقات استيراد القمح والسلع الاستراتيجية وبيع أصول وفقاً لوثيقة الملكية العامة، والتي ستبدأ ببيع 20% من حصة ملكية شركة الاتصالات المصرية بشركة “فودافون مصر” للصندوق السيادي القطري والبنك المتحد للصندوق السعودي، وغيرهما من المؤسسات.

– بعد الإفراج عن القرض المنتظر، لماذا لم تهدأ الأسواق، وزاد الجنيه هبوطاً والأسعار في تصاعد؟
لن تنتهي هذه الأزمات بسرعة في الأسواق، فالأمر يحتاج إلى فترة زمنية للاستقرار على حالة الارتفاعات في سعر العملة التي وصلنا إليها أولاً، قبل أن نصل إلى مرحلة التراجع. وهناك تعهدات من الحكومة والبنك المركزي بإلغاء قرار فتح الاعتمادات المستندية الذي وضع أمام الموردين وحال دون قدرتهم على شراء مستلزمات الإنتاج، وأثر سلباً على حاجة المصانع والشركات.

وسيعود خلال أيام العمل بنظام التحصيل البنكي، الذي يسمح للمستوردين ووكلاء الشركات العالمية بالاستيراد بخطابات الضمان المعتادة، بما يمكنهم من العمل دون تدبير سوى نحو 10% من قيمة كلّ صفقة، بدلاً من 120% حالياً، ويتيح للبنوك تدبير العملة على طريقتها من السوق المحلية. ستنتهي بذلك طوابير الانتظار للموردين والمصنعين خلال 6 أشهر، وتتوقف المضاربات، ليعود سعر الدولار في البنوك منافساً للسوق السوداء التي ستنتهي مع توافر العملة رسمياً.

قد تمنح البنوك أولوية الاستيراد للسلع المهمة للصناعة ومستلزمات الإنتاج، وتؤجل أخرى أكثر ترفاً، إلى مراحل لاحقة، لحين استكمال وصول الدعم النقدي ورفع الاحتياطي النقدي بالبنك المركزي، مع تشجيع تحويلات المصريين بالخارج، واستئناف الاستثمار الأجنبي المباشر في الأنشطة المختلفة بخاصة سوق الأوراق المالية.

– الاستثمارات الأجنبية مرتبطة عادة بكثرة الأموال الساخنة في البورصة، وتوظيفها كاحتياطي في البنك المركزي، هل هناك عودة لنفس المسار، رغم خروج 30 مليار دولار في إبريل/ نيسان الماضي، دفعة واحدة، هزّت الاقتصاد بعنف؟
تعهد البنك المركزي أن يبتعد تماماً عن توجيه الأموال الساخنة في حسابات الاحتياطي النقدي، وأن تظل تلك الأموال بعيدة عن متناول يد المسؤولين وعلى سبيل الأمانة داخل البنوك المحلية، لحين تصرف أصحابها بها، وأن تبحث الحكومة عن حلّ لتوظيف تلك الأموال بطريقة أفضل في الداخل، حتى لا تظل الأموال الساخنة فقاعة كبيرة، تهدد بانفجار الأسواق في أيّ لحظة مدفوعة بأزمات دولية أو محلية طارئة.
تفكر الحكومة في تعديل تشريعي يضمن بقاء تلك الأموال في الداخل لفترة زمنية محددة، قبل خروجها من البلاد مرة أخرى لتضمن تشغليها في خدمة الاقتصاد، وعدم هروبها دفعة واحدة، وفي فترة زمنية قصيرة. كان من الخطأ أن يعتمد محافظ البنك المركزي السابق طارق عامر في وضع هذه الأموال ضمن الاحتياطي النقدي، وهو الأمر الذي أدى إلى اضطراب في الأسواق، وهز ثقة المؤسسات المالية في الاقتصاد.

وعلى الجانب الآخر، سيتم رفع الفائدة على الجنيه المصري إلى 20% أو ما فوقها، لسحب السيولة الزائدة في جسم الاقتصاد، وسيتوقف سعر الجنيه على حجم العرض والطلب، والمتوقع بذلك أن يزداد انخفاضاً ليتوازى مع حركة السوق.

قد يرتفع التضخم إلى مستويات لا يرتضيها البنك المركزي، لكنّ ذلك سيستمر لفترة، أقصاها العام المقبل، ليبدأ في التراجع عام 2024، مع الرهان على الإقبال على زيادة معدلات الادخار بالجنيه، والتباطؤ في معدلات التضخم، وزيادة الإيرادات الدولارية، ووضع الأموال الساخنة بالبنوك داخل الإطار الثاني، حتى لا تؤثر في سعر الصرف والاحتياطي النقدي، الذي يجب أن يمتص الصدمات التي تصيب الأسواق.

– كشفت الأزمة المالية عن وجود كثير من التشوهات في الاقتصاد، بعضها مزمن لم يجد حلاً وكثير منها مستحدث لا يوجد من يقدر على الحد منها؟
وجود تشوهات في الاقتصاد أمر لا يمكن إنكاره. كثير من هذه التشوهات تعود إلى فترة زمنية طويلة منذ بداية عصر التأميم في عهد عبد الناصر وسيادة القوانين الاشتراكية، التي عززت دور المؤسسات العامة، وألغت دور القطاع الخاص أو همشته كثيراً إلى حدود لا يمكن تجاوزها.

خلقت هذه القوانين مشكلات قانونية وتشريعية، يجب التصدي لها بقوة، إذ ما زالت تنخر في هيكل الاقتصاد، وتحتاج جميعها إلى ضبط وربط، لتعمل على تنشيط الصناعة الموجهة للتصدير وتوفير احتياجات الأسواق الأساسية وليست الترفيهية، مع التركيز على تحقيق الانضباط المالي في ميزانية الدولة، وتحقيق وحدة الموازنة العامة، لمنع توظيفها إلّا في البنود التي يوافق عليها البرلمان.

– ماذا ستفعلون مع المشروعات التي استدانت الدولة لحسابها كثيراً من القروض الأجنبية والمحلية، بضمان الموازنة العامة مثل العاصمة الإدارية والمرافق التي ارتبطت بها؟
ستلتزم الدولة خلال المرحلة المقبلة بعدم تمويل أيّ مشروعات خارج الموازنة، وسيتولى صندوق النقد مراجعة ذلك دورياً كلّ 3 أشهر، ويمنح شهادة صلاحية بإدارة هذه الموارد كلّ 6 أشهر، وفي حالة الالتزام سيصرف الدفعات الجديدة من القرض، الموزع على 46 شهراً.

وبالتالي هذه أصبحت ضمانة بحسن استغلال الموارد العامة، أمام المواطنين والجهات الدولية التي ستقرض مصر المزيد من الأموال أو المستثمرين الراغبين في العمل بالسوق المصري، ويسعون إلى الحصول على المعلومات بشفافية وإزالة حالة عدم اليقين التي تعرضوا لها خلال الفترة الماضية.

لذلك ستُفصل أيّ مشروعات تحتاج تمويلات خارج الموازنة لتصبح كياناً اقتصادياً مستقلاً، يوفر احتياجاته من التمويل ذاتياً، من دون الاقتراض بضمان الموازنة العامة.

ستبدأ الحكومة نقل 40 ألف موظف إلى العاصمة، ليكونوا نواة لتشغيل مشروعاتها، والأحياء القريبة منها في مديني بدر والقاهرة الجديدة، العام المقبل.

ستكون شركة العاصمة الإدارية مسؤولة تماماً عن سداد الديون ومستحقات الموردين بالتصرف في بيع مشروعاتها أو أراضيها، ستتحول كثير من الشركات العامة إلى مؤسسات خاصة أو يتشارك القطاع الخاص المصري والأجنبي في ملكيتها.

وستنفذ وثيقة ملكية الدولة التي تعهدت فيها ببيع أصول قيمتها 40 مليار دولار خلال 4 سنوات، من بينها شركات تابعة للجيش.

– تحدث كثيرون عن بيع شركات تابعة للجيش ولم يحدث ذلك منذ عام 2019؟
تعهدت القيادة السياسية أن تقتحم هذه القضية الشائكة، لذلك سيتم البيع لشركتي صافي للمياه المعدنية، والوطنية للبترول التابعتين لجهاز الخدمة الوطنية، إن لم يكن العام المالي الحالي، سيحدث في العام الذي يليه، فالأمر متفق عليه، وسيترك التوقيت وفقاً لحالة السوق.

فالغرض من البيع لا يستهدف التخلص من أعباء الشركات، أو التقليل من حيازة جهة للأصول العامة، لكن توفيراً للأموال التي تحتاجها الحكومة لاستكمال ما بدأته من مشروعات كبرى، تستهدف بالأساس، بناء 20 مدينة كبيرة تنتمي للجيل الخامس في وسائل الاتصالات، بما يمكنها جذب المستثمرين والشركات العالمية للعمل بها، بعيداً عن الزحام داخل العاصمة والمدن الكبرى التي أصبحت مكدسة بالسكان، وفقد قدرتها على التوسع واستيعاب الزيادة السكانية.

– إذاً، ستواصل الحكومة بناء مشروعات بدون عوائد مالية بالمخالفة لاتفاقها مع صندوق النقد، هل هذا وراء رغبتها في زيادة الضرائب على الدخل؟
لا أظن أنّ الحكومة ستتقدم للبرلمان بتعديل قانون الضرائب على الدخل، ولو كان للشرائح العليا، التي تزيد عن 800 ألف جنيه سنويا، كما هو منشور منذ أيام.

فهناك تعهد رئاسي بألّا تتغير الضرائب خلال العام المالي الحالي، وهذا الالتزام يجب أن ينفذ، ليطمئن الناس على أنّ التشريعات المتعلقة بالضرائب وأخذ حقوق للدولة لا تتبدل بين عشية وضحاها، فتثير بذلك مخاوف لدى المستثمرين، وخاصة الراغبين من الأجانب في الاستثمار بمصر.

ستلتزم الدولة خلال المرحلة المقبلة بعدم تمويل أيّ مشروعات خارج الموازنة، وسيتولى صندوق النقد مراجعة ذلك دورياً كلّ 3 أشهر

على الحكومة الاستفادة من المشروعات التي أنفقت فيها ثروات طائلة في إقامة البنية الأساسية، لتدرّ عوائد مالية تمكنها من تقديم المزيد من المساعدات النقدية والعينية للطبقات الأكثر فقراً، ورفع مستوى التعليم والخدمات الصحية، وتوسيع دائرة الخاضعين للضرائب من العاملين في السوق الموازية، التي لديها مليارات الجنيهات، ولا تتحمل أيّ أعباء اجتماعية مع الدولة، وأغلبها يتهرب من سداد الضرائب على الدخل أو المشروعات التي يملكها، ويديرها بعيداً عن الاقتصاد الرسمي.

كما ستتوسع في تقدم التعليم المدفوع، عبر زيادة الجامعات الأهلية والتكنولوجية، والساعات المعتمدة، وفي ظل عدم القدرة على المساس بمجانية التعليم الجامعي والحفاظ عليه مكفولاً في مرحلة ما قبل الجامعة، سيكون هذا المخرج، بداية لتطوير الجامعات، على أن تكون المجانية للطلاب غير القادرين والمنح للمتفوقين علمياً ورياضياً.

– هل التوجه للقطاع الخاص سيكون الطريق المعاكس لهيمنة الدولة وأجهزتها على الاقتصاد حالياً؟
ما زال الوقت مبكراً لينفرد القطاع الخاص بقيادة الاقتصاد، فما زالت تصورات الماضي حول التأميم واستمرار البيروقراطية والضوابط الدستورية تحول دون ذلك، لكن سيفتح المجال أمامه ضمن الإصلاحات الهيكلية التي التزمت الحكومة بها مع صندوق النقد، للخروج من الأزمة الحالية.

أتصور أنّ الأولوية ستمنح لتأهيل المشروعات الصغيرة والمتوسطة لتكون قاطرة القطاع الخاص خلال الفترة المقبلة، وأمام الحكومة 4 سنوات لتنفيذ وثيقة الملكية العامة، ليحكم الناس والصندوق على جدوى عمليات البيع وتخارج الحكومة من إدارة الاقتصاد تدريجياً.

 

You may also like

البنك الدولي: 18مليار دولار حجم التمويلات لأوكرانيا منذ الغزو الروسي

أعلن البنك الدولي منح أوكرانيا 610 ملايين دولار